الخميس، 15 أغسطس 2024

 أرجوكِ يا أمي




تقول فتاةٌ: أمي عنيدة وعصبية وقاسية جدًّا، لا تُحب إلا نفسها، دائمة الصُّراخ وسيئة التعامل، حاولتُ كثيرًا أن أبحثَ عن رضاها، لكن لا يُعجبها شيءٌ، بل تقيم الدنيا على مشكلة صغيرةٍ لا قيمة لها، أمي لا تُحبني - بالرغم مِن أنني أصغر إخوتي عمرًا - ولا تُحب أختي، بل تعاملنا كالخادمات ، دائمًا مُتسلِّطة، حاولتُ التقرُّب منها أكثر من مرة، لكنها لم تَقبَلْ شيئًا، حاولتُ أن أُحبَّها أنا وأختي، لكن للأسف تصرُّفاتها تُبعدنا عنها .

إنها صراخات وآهات لأبناء وبنات يتعذبون كثيرًا بسبب سوء معاملة أمهاتهم، يسألون ويتساءلون أين الأم المثالية ذات القلب الحنون والعطوف التي يقرؤون عنها، ويسمعون قصصها في التلفاز والإعلام والكتب وعند الصديقات ؟.

أيتها الأمهات الكريمات، الأم هي من وُضِعت الجنة تحت أقدامها، الأم زهرة الحياة، رضاها يحدِّد المصير، لا راحة في الدنيا دون ابتسامتها، ولا جنةٌ في الآخرةِ عند غضبها، تُعلِّم العطاء بأفعالها، وهي التي تُقدم دون أن تأخذ، هي الصانعة للأجيال، هي نموذج من الرحمة، وكتلة من الصبر، قَدرُها عظيم لا يُقدَّر بثمنٍ، ومكانتها كبيرةٌ لا يمكن وصفها.

هي من يُشكَى لها الهمُّ بعد الله، ودعاؤها يهزُّ السماء لشدة قوته، هي صانعة الرجال ومربِّية الأمهات، غيابها مؤلِمٌ ومظلمٌ، هي مَن تَظلِم نفسها لتُنصف أولادها، وتُتعب نفسها لراحتهم، ومن أشد الصابرين عليهم، الإحسان إليها أمرٌ لا يحق التهاون به.

لكننا في هذه السنوات الأخيرة بدأنا نسمع ونقرأ صرخات وآهات من أبناء وبنات من أمهات لا يخفن الله في تعاملهن مع أولادهن، تحول قلبها صاحب المشاعر الرقيقة إلى إنسانة جامدة المشاعر وقاسية، حوارها معهم يكون بالسباب والنقد والصراخ والضرب والنفور، تقاطع أولادها بالأيام والأسابيع والسنين لأتفه الأسباب، لا تقبل المزاح ولا النقاش، تتحكم في كل صغيرة وكبيرة، تتدخل في حياة الأبناء وزوجاتهم والبنات وأزواجهن، تخلق حالة من الكره والضغينة التي يصعب التخلص منها أو تجاوزها، وعلى الرغم من أهمية مسامحة الأم والتسامح معها؛ إلا أن بعض القصص التي نسمعها عن عقوق الأم لابنها وابنتها تجعلنا نقدِّر موقف الأبناء والبنات الصارم تجاه الأم القاسية.

مسكينة أنت أيتها الأم المحرومة يوم أن قطعت الصلة بينك وبين أسرتك وزوجك وأولادك، تذكَّري أنهم مفتاح الكنز الذي يفيض سعادة وطمأنينة، وأنهم اللمسة الحانية للقلب المُتعب المكدود، وأنهم زاد الطريق ومدد الروح وجلاء القلوب.

أيتها الأم المحرومة، يا من حرمت نفسَها أجمل لحظات الدنيا وأسعدها بعد الإيمان بالله، وهي لحظات الجلوس والاستمتاع بالأسرة والزوج والأولاد.

فإلى كل أم حُرمت من لذة الاستمتاع بأولادها .

وإلى كل أم حُرمت من لذة اللعب والضحك مع الأولاد .

وإلى كل أم ملأ قلبها الحسد والضغينة والكره للآخرين .

وإلى كل أم حُرمت من لذة السعادة والطمأنينة وانشراح الصدر .

 

وإلى كل أم تبحث عن السعادة مع أسرتها احرصي على:

- غرس حب الله تعالى وحب نبيه في قلبك أولا ثم في قلوب أولادك، وحب الصحابة والتابعين واتخاذهم قدوات لك ولهم، وتعويدهم على العبادات والطاعات.

- توجيههم وحسن صحبتهم حتى يشبوا ويستغنوا بأنفسهم، ويكونوا قادرين على تكوين أسر صالحة جديدة.

- إدراك طبيعة المرحلة التي يعيشها الشباب والفتيات، وأن تدرك الأم أن الأجيال اختلفت، وأن البيئة الخارجية لها أثر كبير في اختلاف أفكار وثقافات وتديّن الأولاد.

- العدل بينهم: في المعاملة، والعطاء والعطية، والعطف، والحنان.

- التغاضي عن زلاتهم وعثراتهم: فلا تقعد لهم بكل مرصد، ولا تتشبث بأشياء كان من الممكن تجاوزها والتغافل عنها.

- تشجيعهم، والثناء عليهم: فلا تكن مُثبطة لهممهم، مُقلِّلة من إنجازاتهم.

- الرفق بهم والإحسان إليهم: ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها : أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ " رواه مسلم .

- عدم الظهور أمامهم وكأنها تملك الحق الأوحد، وأن الأولاد دائما على خطأ.

- احترام آراء الأولاد وسماعهم والتحاور معهم وإقناعهم هو السبيل للتربية الصالحة، أما أن يكون الآباء والأمهات ملائكة لا يخطئون، فهذا هو الخطأ بعينه.

- عدم التفرقة في المعاملة: وهو ما يولد بُغضًا من الأولاد تجاه أمهاتهم وحقدًا على إخوتهم.

- انتبهي من الإهانة والإيذاء النفسي مثل نعتهم بأوصاف مشينة، وألفاظ سيئة نابية، أو اقتحام خصوصياتهم، أو معايرتهم بنقصٍ أو عجز، أو سلب حريتهم، أو جرح كرامتهم، وتهميشهم.

وختامًا.. أرجوك أيتها الأم المباركة ، تذكري أنك راع ومسؤول عن رعيته، والعقوق لا يولد إلَّا عقوقًا، والبر لا يُولِّد إلَّا برًّا، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، ولا يُتوقع بر من أبناء وبنات تربوا على القسوة والتنمر والنقد والصراخ والتهميش والظلم والاستبداد.

قفي مع نفسك لحظات بعيدًا عن الدنيا ولذاتها، اجلسي مع نفسك بعيدًا عن الأصحاب والصديقات، اختلي بنفسك واسأليها: لماذا أعيش؟ وماذا أريد؟ وما النهاية؟ إن نفسك غالية، وربما اليوم أو غد أو بعد غد قالوا: مات فلان أو فلانة، والموت حق، ولكن شتان بين من مات على صلاحٍ وهداية وحب، وذكر حسن، وبين من مات على ظلم وكره وفتنة، فإياك والغفلة وطول الأمل والاغترار بالصحة.

مخطئ مَن يظن أن المحروم من السعادة هو الذي لا يملِك أساسيات الحياة أو كمالياتها، إن السعادة هي سعادة النفس والروح، والسعيد هو شخص اختار، وقرَّر أن يكون سعيدًا عبر أسلوب حياته وتفكيره وتعامله مع الناس، وإن عليه صناعة سعادته وتعزيزها بنفسه .

فالله الله بنفسك يا أختي، ولا تحرِمي نفسك الاستمتاع بأسرتك وزوجك وأولادك، وكوني ذكرى حسنة على قلوبهم وألسنتهم، وفي قصصهم وفي دعائهم.








 أرجوكَ يا أبي


الأب هو السند الذي تعتمد عليه الأسرة ، والأب هو الصديق الأول في حياة أولاده، والمثال الأعلى للشباب والفتيات ، وهو النموذج للصفات المرغوبة في زوج المستقبل بالنسبة إلى بناته، هو نهر الحنان الذي لا يجف، والعمود الفقري للأسرة، والذي يوفر وجوده الكثير من الحماية للأولاد.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رِضى اللَّهِ في رِضى الوالِدَينِ ، وسَخَطُ اللَّهِ في سَخَطِ الوالدينِ" رواه ابن حبان ، وقال صلى الله عليه وسلم: " الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنَّ شئتَ فأضِع ذلك البابَ أو احفَظْه " أخرجه الترمذي .

الأب يساعد زوجته في الاهتمام بأولادهما في التربية والتعليم، وبناء الأخلاق الحسنة فيهم، يتحلى بسمات الأب المثالي، عندما يدخل السرور والبهجة على قلوب أسرته الصغيرة، ويحوِّل البكاء إلى ضحك، ويحرص على مفاجأتهم من وقت إلى آخر، حتى ولو بشيء بسيط .

يشعر الشباب والفتيات بحب واهتمام والدهم عندما يقوم بالإجابة على تساؤلاتهم باهتمام وعدم تذمر؛ وذلك لأن حب الأولاد لوالدهم يزداد بصورة أكبر وأكبر؛ فيشعرون بالسعادة لحصولهم على معلومة جديدة تساعد على نمو عقولهم .

لكن بالمقابل ابتُليت بعض الأسر بآباء حرموا أنفسهم لذة الاستمتاع بأولادهم، فأبدلوا الرحمة والرفق إلى قلب قاسٍ وظالم، وبقلب لا يعرف العطف والحنان، لا يستطيع التحكم في انفعالاته، وعند حصول أي مشكلة، سواء في البيت أو في العمل أو حتى في الشارع يصب غضبه على أولاده وأسرته صبًّا، هو سريع الغضب لا يرحم المخطئ، حتى ولو اعترف بخطئه، لا يسامح المسيء حتى ولو اعتذر، لا يترك أي خطأ صغيرًا كان أو كبيرًا دون نقد لاذع، لا يتوانى عن ضرب ابنه بعنف وقد يطرده من البيت إذا ما نقصت درجاته في مادة ما، بل ويضرب ابنته بالعصا والسوط، لو قصرت في أمر ما، مات ضميره، فهو لا يرحم صغيرًا ولا كبيرًا، ولا قريبًا ولا بعيدًا، إذا خالف أحد رأيه، قد يبتعد عن أولاده ويقاطعهم أيامًا وشهورًا، بل وسنين.

يا ألله على إنسان ضعيف مجبر على طاعة أبيه، وتحمل معاملته السيئة، إنه شعور رهيب، وأحاسيس متناقضة تجاه هذا الأب القاسي .

فيا أيها الأب المحروم، أرجوك تذكر أن الدنيا تدور وتتغير، اليوم أنت قوي، وغدًا ستكون ضعيفًا، فلا تحمل نفسك ما لا تطيق، واعلم أن الراحمين يرحمهم الله، وأن من يرحم من في الأرض يرحمه من في السماء، وأولى الناس برحمتك هم أهل بيتك وولدك وزوجتك.

أيها الأب المحروم، كيف تنتظر برًّا من أولاد لأب تهرب من مسؤولياته وواجباته، بل كان سببًا في تدمير مستقبلهم، بأي وجه يتقبلون أبًا حرمهم من حضنه وعطفه وحنانه، جعلهم يقاسون اليُتم مع أب حاضر، لكنه ظالم وقاسٍ.

أيها الأب المحروم من سعادة الأسرة والأولاد، إن كنت مريضًا بقسوة القلب، أو فيك اضطراب في شخصيتك، وتحتاج إلى المساعدة، فلا تتردد، وأعلنها اليوم أنك تريد تغيير نفسك قبل أن تخسر أولادك وأسرتك، وزوجتك ونفسك.

أخي أيها الأب الباحث عن السعادة، أدعوك:

- إلى الإيمان بالله حقًّا، والإكثار من ذكره، والمحافظة على فرائضه وعباداته.

- تذكر أن قدوتنا هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاقرأ سيرته، وتعلم منها هديه في تعامله مع زوجاته وبناته، ومع أصحابه والناس أجمعين.

- تحلَّ بالأخلاق الحسنة، وجاهد نفسك بعلاج الأخلاق السيئة التي فيك، وتذكَّر الأجر العظيم من الله لمن التزم بالأخلاق الحسنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: " أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا ، وببيتِ في وسطِ الجنةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا ، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حَسُنَ خُلُقُه " رواه أبوداود.

- اطلب المساعدة من صديق صالح، أو أخ حنون، أو مستشار متخصص مؤتمن، أو من طبيب حاذق، وادعُ الله دائمًا بالهداية لنفسك ولأسرتك ولأولادك.

- احضر بعض الدورات والبرامج التدريبية التي تعلمك وتساعدك على فن التعامل مع الآخرين، وكيف تكسب أولادك؟، وكيف تصنع أولادًا مميزين؟ وكيف تغير من نفسك؟.

- تذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم ، فهل أولادك سيدعون لك بالخير بعد الممات؟ .

- اسأل نفسك كثيرًا لو أصابك مرض وأقعدك على فراشك أو كرسي متحرك، وصرت تحت رحمة أولادك، هل تحب أن يعاملوك بمثل معاملتك لهم الآن؟ أعد للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا.

- أرجوك لا تتكاسل، وأعلنها من الآن، واذهب إليهم في الحال، وافتح بابًا جديدًا معهم، وغيِّر من نفسك وأسلوبك وتعاملك معهم، ولا تحرم نفسك لذة الاستمتاع بهم.


 أرجوكِ يا أمي تقول فتاةٌ: أمي عنيدة وعصبية وقاسية جدًّا، لا تُحب إلا نفسها، دائمة الصُّراخ وسيئة التعامل، حاولتُ كثيرًا أن أبحثَ عن رضاها، ...