الأربعاء، 30 مارس 2022

 



أسباب زوال البركة


البركة هي: النماء والزيادة، وبارك اللهُ الشيءَ وبارك فيه وعليه: وضع فيه البركة، قال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾ [الأنعام: 92]، قال الراغب الأصفهاني: البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء.

 

قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، وفيه تنبيهٌ على ما يفيض به ربُّ العالمين من الخيرات الإلهية على الناس إذا آمنوا واتقوا.

 

ولو رجعنا إلى الوراء لرأينا أمثلةً كثيرةً لحضور البركة عند الناس، سواء في عهد الصحابة رضي الله عنهم، أو عهود من بعدهم، فها هو سيدنا عثمان رضي الله عنه يجهِّز جيشًا كاملًا من ماله الخاص، فيبارك الله له في ماله، فقد رُوي أنه قد بلغت ثمرة نخله مائتي ألفٍ أو تزيد، حيث بارك الله له إنفاقه في سبيله، فانظروا كيف تكون البركة.

 

لكن قد يلاحظ الإنسانُ أن الله عز وجل يمنَع عنه البركة في أمرٍ من أمور الدنيا من الرزق أو الولد، أو الزوجة أو العمل وغيرها، وهنا على المرء أن يسأل نفسه مرارًا وتكرارًا: ما الأسباب التي تؤدي لحدوث ذلك الأمر؟ ومن بينها ما يلي:

1- كثرة المعاصي، فللمَعصيةِ كبيرُ الأثر في مَحقِ بركةِ المالِ والعُمُر والعلم والعمَل، وهي سببٌ لهوان العبد على الله تعالى، وسقوطه من عينه، وذَهاب البركة؛ قال ابن القيِّم رحمه الله - في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي - عن المعاصي: "وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الْعُمُرِ، وَبَرَكَةَ الرِّزْقِ، وَبَرَكَةَ الْعِلْمِ، وَبَرَكَةَ الْعَمَلِ، وَبَرَكَةَ الطَّاعَةِ، وَبِالْجُمْلَةِ تَمْحَقُ بَرَكَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا تَجِدُ أَقَلَّ بَرَكَةٍ فِي عُمُرِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ، وَمَا مُحِقَتِ الْبَرَكَةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِمَعَاصِي الْخَلْقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]".

 

يقولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وإن العبدَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يُصيبه)؛ رواه أحمد.

 

2- الغش والخداع والكذب، ولا سيَّما في البيع والشراء حتى لو كان الحالف صادقًا، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة الحلف في البيع والشراء، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: "الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَة"؛ رواه البخاري.

 

وعن حَكِيمِ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"؛ رواه البخاري، ويُلحق به غيرهما من وجوه التعامل بين الناس.

 

3- التعامل بالربا، والإنسان يحسب أن فيه زيادة للمال، لكنها زيادة ظاهرية لا بركة فيها، قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276].

 

4- الدعاء على النفس والأولاد والأموال، لذا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء عليها، فقال: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة فيها عطاء فيستجيب لكم"؛ رواه مسلم.

 

5- الحرص والطمع في طلب الدنيا، يرغب الإنسان للدنيا ويُحبُّ لها ويُبغض لها، ويُضيِّع ما أوجب الله عليه لها، ويرتكب ما حرَّم الله عليه لها، حتى ربما نالها من غير حلِّه لطمعه وجشعه وشدَّة حرصه، عن حَكِيمِ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ: "يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى"؛ رواه البخاري.

 

أسأل الله أن يباركَ لنا في أزواجنا وأولادنا وذريَّاتنا وفي أعمالنا وفي أموالنا وفي بلادنا، وأن ينشرَ السعادة في كل بيتٍ، وصلى الله على سيدنا محمد.



 



كيف نجعل أوقاتنا عامرة بالبركة؟


البركة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، فهي ملكٌ لله تعالى، شأنها شأن الرزق والهداية، يعطيها لمن يشاء، ويسلبها عمن يشاء، وكل ذلك وَفق حكمته وتدبيره، فلا تطلب البركة إلا من الله تعالى وحده، ويدلُّ على هذا قوله تعالى: ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ﴾ [هود: 48].

 

وفي الحديث عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (...وَالبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ) رواه البخاري.

 

وهذا لا يمنع من الأخذ بالأسباب التي تُستجلَب بها البركة، والابتعاد عن أسباب محقها، لذا على العبد الأخذ بالأسباب التي تجعل أوقاته وأعماله عامرة بالبركة، ومنها:

1-إذا دخلت البيت، فسلِّم، فالسلام بركة؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [النور: 61]، مباركة؛ أي: يُرْجَى فيها الخيرُ والبركة.

 

وفي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأنس: (يا بُنَيَّ، إذا دخلتَ على أهلِك فَسلِّم، يَكْنْ سلامُك بركةً عليك وعلى أهل بيتك)؛ رواه الترمذي.

 

2- تناوَلِ الطعام في مجموعة وسَمِّ، فإن في هذا بركة، فقد روى الإمام أبو داود بسند صحيح أن قومًا اشتكوا للنبي عدم الشِّبَع، فقالوا: يا رسولَ الله، إنَّا نأكُل ولا نشبَع، قال: (فلعلَّكم تَفترِقون)، قالوا: نعَم، قال: (فاجتمِعوا على طعامِكم، واذكُروا اسم الله، يبارك لكم فيه).

 

3- صِلْ رَحمك، فإنها من أسباب زيادة البركة، قال - صلى الله عليه وسلم -: (مَن سَرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، ويُنسأَ له في أثرِه، فَلْيَصلْ رَحِمَه)؛ رواه البخاري.

 

4- القناعة والرضا بعطاء الله؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: فيما رواه أحمد في مسنده بسند صحيح: (إن الله تبارك وتعالى يبتلي عبده بما أعطاه، فمن رضي بما قسم الله - عز وجل - له، بارك الله له فيه ووسعه، ومن لم يرضَ لم يبارك له فيه).

 

5-الذهاب مع الأسرة إلى مكة وزيارة بيت الله الحرام، ففيه الأجر والمثوبة وفيه البركة، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96].

 

6- قراءة القرآن وتدبر معانيه، فهو مبارك على مَن قرأه وسمعه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [الأنعام: 92].

 

وقال صلى الله عليه وسلم عن سورة البقرة: (اقرؤوا سورةَ البقرةِ، فإنَّ أخْذَها بركةٌ، وترْكُها حسرةٌ، ولا تستطيعُها البطَلَةُ)؛ رواه أحمد.

 

7- الدعاء بالخير والبركة عند نزول منزل مع الأسرة، كما علَّمنا ربنا سبحانه: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 29].

 

8- تعويد الأولاد على أكلة السَّحور، ففيها الخير والبركة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (تسحَّرُوا فإِنَّ في السُّحورِ برَكَةٌ)؛ رواه البخاري.

 

9- تحرِّي ليلة القدر؛ قال الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3]، وسُميت مباركة لما فيها من البركة، والمغفرة للمؤمنين.

 

10-الحذر من العين، فإذا رأيت ما يعجبك في أسرتك، فادعُ بالبركة، قال صلى الله عليه وسلم (إذا رأى أحدُكم من نفسِه أو مالِه أو من أخيِه ما يُعجبُه، فلْيدعُ له بالبركةِ، فإنَّ العينَ حقٌّ)؛ صححه الألباني في الكلم الطيب.

 

11- تعويد الأولاد على الأكل على مائدة واحدة جميعًا، قال صلى الله عليه وسلم: (كلوا جميعًا ولا تفرَّقُوا، فإِنَّ البركةَ مع الجماعةِ)؛ رواه ابن ماجه.

 

12- شجرة الزيتون، قال تعالى: ﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾ [النور: 35]؛ "أي: من زيت شجرة مباركة.. وأراد بالشجرة المباركة: الزيتونة، وهي كثيرة البركة، وفيها منافع كثيرة.

 

أسأل الله أن يبارك لنا في أزواجنا وأولادنا وذرياتنا وفي أعمالنا، وفي أموالنا وفي بلادنا، وأن ينشر السعادة في كل بيت، وصلى الله على سيدنا محمد.


علموا أولادكم أهمية الرياضة


 

علموا أولادكم أهمية العمل التطوعي


 

علموا أولادكم أهمية حب الناس


 

علموا أولادكم فضل نعمة الأمن


 

 



أولادنا والدعاء لهم بالبركة


الدعاء عبادة من أجل العبادات وأعظم الطاعات وأنفع القربات، وهو سلاح المؤمن فإذا كان هذا الدعاء صالحًا وبقلبٍ صادق نحو الأولاد، كانت ثمرته أقوى وأفضلَ.

 

إن الأولاد قرة عين الإنسان في حياته، وبهجة في عمره وأُنسه في عيشه، بهم تَحلو الحياة، وعليهم تعلَّق الآمال، وببركتهم تُستجلب الأرزاق، وتتنزل الرحمات.

 

قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يعنون: من يعمل بطاعة الله، فتقرُّ به أعينهم في الدنيا والآخرة".

 

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "يعني الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم وذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له".

 

فلماذا نحرص على تربية الأولاد والدعاء لهم بالخير والصلاح؟ وما الخير والبركة في الدعاء الصالح لهم؟:

 لأن صلاحهم سبب في دخول الجنة والنجاة من النار بإذن الله.

 

 لأن الدعاء عبادة عظيمة ومتعة ولذة في الحياة الدنيا، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة"؛ صححه الألباني.

 

 لأن صلاحهم عمل بالأسباب المشروعة ونحن مطالبون بذلك، بل فرض عين على وليِّهم.

 

 لأن الأمة تحتاج إلى شبابها.

 

 لأننا بحاجة أولادنا في الدنيا والآخرة.

 

 لأن الولد الصالح هو واحد مما يبقى للإنسان بعد الموت.

 

 لأن الأولاد يولدون على الفطرة وللتربية الأثر في ثبات الفطرة أو فسادها.

 

 لأن الأولاد يحتاجون للتربية الصحيحة في بداية حياتهم.

 

 لأن التربية مسؤولية يحاسب الله الآباء والأمهات عليها.

 

 لأن أغلب المشكلات في مراحل العمر المتقدمة سببها التهاون في التربية في الصغر.

 

 لأن الأولاد زينة الحياة الدنيا.

 

 لأن تربية الأولاد بركة لوالديهم ومجتمعاتهم.

 

 لأن من حق الأولاد على الوالدين أن يعيشوا حياة طيبة، والتربية السليمة سبب في ذلك بإذن الله.

 

قفوا وتأمَّلوا هذه القصة العجيبة، وهذا الدعاء المبارك من سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة وأم سليم، وأثر الدعاء الصالح والبركة على الأولاد.

 

عن أنس رضي الله عنه قال: ماتَ ابنٌ لأبي طلحة من أم سُليم، فقالت لأهلها: لا تُحدِّثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أُحدِّثه، قال: فجاء فقربتْ إليه عشاءً، فأكل وشرب، فقال: ثُمَّ تصنَّعَتْ له أحسن ما كان تصنَّعُ قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأتْ أنه قد شبعَ وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قومًا أعارُوا عاريتَهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم، أَلَهُم أنْ يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسِب ابنك، قال: فغضب، وقال: تركتِني حتى تلطَّختُ، ثم أخبرتِني بابني، فانطلَقَ حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بارك الله لكما في غابر ليلتِكما))، قال: فَحَمَلَتْ، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يَطرقها طروقًا، فدنوا من المدينة فضرَبَها المخاض، فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا ربِّ أنه يُعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى، قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة، ما أَجِدُ الذي كنتُ أجد، انطلقْ فانطلقْنا، قال: وضربها المخاض حين قَدِما فولدت غلامًا، فقالت لي أمي: يا أنس، لا يُرضعه أحدٌ حتى تَغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح احتملتُه فانطلقتُ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فصادفتُه ومعه مِيسَم، فلمَّا رآني قال: ((لعلَّ أم سليم ولدَت؟))، قلت: نعم، فوضع المِيسَم، قال: وجئتُ به فوضعته في حجره، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعجوة من عجوة المدينة فلاكَها في فيه، حتى ذابتْ ثمَّ قذَفها في فِي الصبيِّ، فجعل الصبيُّ يتلمَّظُها، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى حُبِّ الأنصار التمر))، قال: فمسَح وجهه وسماه عبدالله"؛ رواه البخاري، وفي رواية أخرى: "قال سفيان: فقال رجل من الأنصار: فرأيتُ لهما تسعةَ أولاد كلهم قد قرأ القرآن".

 

أسأل الله أن يبارك لنا في أزواجنا وأولادنا وذرياتنا، وفي أعمالنا وفي أموالنا وفي بلادنا، وأن ينشر السعادة في كل بيت، وصلى الله على سيدنا محمد.



 


البركة عند السلف الصالح

 

البركة هي كثرة الخير والنماء، وهي جند مِن جنود الله يرسله لمَن شاء مِن عباده، ويمنعه عمن شاء، فقد أرسله لأنبيائه ورسله والصالحين مِن عباد الله المؤمنين، فتمتعوا بالبركة في العمر والصحة، والعافية والمال، وسلَب البركةَ عن أقوام عاشوا في بُعدٍ عن منهج الوحي والرسالة، فعاشوا في محق وضنك وعمى.

 

ولأهمية وجود البركة في حياة المسلمين كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو دعاءً عامًّا للأمة كما قال: « اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا »؛ رواه أبو داود، ودعاءً خاصًّا لبعض الصحابة كما قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه – لمَّا علم بزواجه -: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ »؛ متفق عليه.

 

والمتصفح للتاريخ يرى أمثلةً كثيرةً لحضورِ البركة ووجودها عند السلف الصالح رضي الله عنهم، فها هو سيدنا عثمان رضي الله عنه يجهز جيشًا كاملاً من ماله الخاص، فيبارك الله له في ماله؛ فقد رُوِي أن قد بلغَت ثمرةُ نخْله مائتي ألف أو تزيد؛ حيث بارك الله له إنفاقَه في سبيله.

 

وهذه السيدة خديجة لما لاحظت بركةَ النبي صلى الله عليه وسلم وهو شاب فَتِي، عندما ازداد النماء والخير في مالها وتجارتها؛ حرَصت على الزواج بخير البرية.

 

وقد جاء في مسند أحمد أنه وجِد في خزائن بني أُمية حِنطةٌ الحبة بقَدر نواةِ التمر، وهي في صُرَّةٍ مكتوب عليها: "هذا كان ينبُت في زمَن العدل".

 

فانظروا - يا إخواني - كيفَ تكون البركة؟

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ابنته فاطمةَ طريقةَ استجلاب هذه البركة بالإخلاص في الذِّكر، ففي "الصحيحين" عن علي رضي الله عنه: "أن فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم تسأله خادمًا، فلم تجده، فذكرتْ ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته، قال: فجاءنا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبتُ أقوم، فقال: « مكانك »، فجلس بيننا، حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: « ألا أدلكما على ما هو خيرٌ لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما - أو أخذتما مضجعكما - فكبِّرا أربعًا وثلاثين، وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين؛ فهذا خير لكما من خادم ».

 

وها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولي الخلافة سنتين وبضعة أشهر فقط ومع ذلك ما زلنا نقرأ في سيرته، سيرة حافلة بالمنجزات العظيمة، والفتوحات الكثيرة، ومثله عمر ابن عبد العزيز رحمه الله تعالى فإنه ولي الخلافة سنتين وأشهر، ومع ذلك كانت سيرته ثرية عطرة حافلة بالمنجزات، وهذا سعد بن معاذ رضي الله عنه أسلم وعمره إحدى وثلاثون سنة، ومات وعمره سبع وثلاثون، أو ثمان وثلاثون؛ أي: إنه بقي في الإسلام ست أو سبع سنين فقط، ومع ذلك لما مات يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قد اهتز لموته عرش الرحمن؛ فرحًا بقدومه، اهتز لموته عرش الرحمن وهو لم يبق في الإسلام سوى ست أو سبع سنين، يا ترى ماذا فعل في هذه السنيات؟ إنها البركة، البركة العظيمة التي جعلها الله تعالى في هذه المدة القليلة.

 

وعندما نقرأ سيرة بعض الأئمة والأعلام من أهل العلم نجد أن الله تعالى قد جعل البركة العظيمة في أوقاتهم، يقول ابن القيم عن شيخه ابن تيمية - رحمهما الله جميعا -: « وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وكتابه أمرًا عجيبًا؛ فكان يكتب في اليوم من التصانيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمرًا عظيمًا ».

 

وهذا الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - يصلي لله تعالى تطوعًا من غير الفريضة في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، ولم يكن هذا هو العمل الوحيد في حياته، فقد كان يحفظ السنن، ويدافع عنها، ويكسب لأهله وعياله قوتهم، ويقرأ ويطلب العلم، ويعلم الناس، ويفتيهم، ولكن الله تعالى جعل في وقته البركة، وكان الحافظ عبد الغني المقدسي صاحب "عمدة الأحكام" يقتدي بالإمام أحمد في هذا.

 

إنها البركة التي منحهم الله إياها في أعمارهم، وفي أوقاتهم، وفي أعمالهم، وفي أرزاقهم، فقد كانت البركة في الأعمار والأرزاق والأوقات سمة من سمات السلف الصالح، وهذا كله مصداقًا لقول الله عز وجل: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]؛ بالإيمان والتقوى تتنزل البركات من السماء والأرض.

 

أسأل الله أن يبارك لنا في أزواجنا وأولادنا وذرياتنا وفي أعمالنا وفي أموالنا وفي بلادنا، وأن ينشر السعادة في كل بيتٍ، وصلى الله على سيدنا محمد.



 


مفتاح البركة


قال أحد السلف: كلما زاد حزبي من القرآن، زادت البركة في وقتي، ولا زلت أزيد حتى بلغ حزبي عشرة أجزاء، والسؤال الذي يتبادر إلى القارئ كيف وصل هؤلاء إلى مفتاح البركة حتى كانت البركة معهم في كل شيء؟

 

إن المفتاح الكبير للبركة والذي لا بدَّ أن نقف عليه هو: قول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، هذه الآية تبين سنة من سنن الله الجارية.

 

والأسرة كالقرية الصغيرة ينطبق عليها ما ينطبق على المجتمعات الكبيرة، فلو أن أفراد الأسرة آمنوا بدل التكذيب واتقوا بدل الاستهتار، لفتح الله عليهم بركات، هكذا بركات من السماء والأرض مفتوحة بلا حساب من فوقهم ومن تحت أرجلهم.

 

واللفظ: (بركات) يوحي أنها أمور لا يعهدها البشر من الأرزاق والأقوات، ألوانٌ شتى تهبط وتنبع من كل مكان بلا تحديد ولا تفصيل، والله سبحانه لم يقل (بركة)، وإنما قال (بركات)، وهذا يزيد في انشراح الصدر، ولم يقل رزقًا، وإنما بركات، فالرزق قد يكون في جانب دون جانب، لكن البركة تشمل الخير والزيادة لكل أنواع الرزق والدليل قوله: ﴿ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ﴾.

 

وتأملوا لفظ (الفتح)؛ أي إزالة شيء حاجز عن الدخول إلى مكان ما؛ لأن كلمة الفتح تختلف عن كلمة الإغلاق فهي تُثير السعادة والراحة، (لَفَتَحْنَا) وفي قراءة (لَفَتَّحَنَا) بالتشديد؛ أي يكون أكثر وأعظم، ويُؤخذ من الآية أن الإيمان بالله وتقواه ليست مسألة مُنعزلة عن الحياة وواقعها، فمن يتصور أن الإيمان بالله والعبادة مسألة تعبدية لا صلة لها بواقع الحياة تردُّ عليه هذه الآية، فهناك صلة بين الإيمان بالله وبين قوت الإنسان وحياته ورزقه، وانشراحه وسعادته.

 

وقوله: (آمنوا) و(اتقوا)، فلا يكفي أن تؤمن بالله وتؤمن بما أمرك به فقط، وإنما هناك أمر آخر وهو أن تتقي الله فلا تقع فيما حرَّمه، وتسعى إلى طاعته، هنا تنزل البركات، قد يُصلي الإنسان ويصوم ولكنه لا يتورَّع عما حرمه الله، فهذا لا تشمله البركة، فالآية توضح أن الإيمان لا ينفع إلا إذا كان معه عمل صالح.

 

تأملوا معي هذه القصة، وكيف وجد الصحابي الكريم أبو الدحداح رضي الله عنه مفتاح البركة على نفسه وأسرته وماله.

 

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً، وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا، فَأْمُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمَ حَائِطِي بِهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ )، فَأَبَى، فَأَتَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي، فَفَعَلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي، قَالَ: فَاجْعَلْهَا لَهُ، فَقَدْ أَعْطَيْتُكَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَمْ مِنْ عِذْقٍ رَدَاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ)، قَالَهَا مِرَارًا، فَأَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ اخْرُجِي مِنَ الْحَائِطِ، فَإِنِّي قَدْ بِعْتُهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَتْ: رَبِحَ الْبَيْعُ - أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا"؛ رواه أحمد، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

 

أسأل الله أن يبارك لنا في أزواجنا وأولادنا وذريَّاتنا، وفي أعمالنا وفي أموالنا وفي بلادنا، وأن ينشر السعادة في كل بيت، وصلى الله على سيدنا محمد.







متى يكون الرجل مباركًا في بيته؟

 

البركة هي الزيادة والنماء وكثرة الخير، والبركة كلها من الله، وكل ما نُسب إليه مبارك، فكلامه مبارك، ورسوله مبارك، وعبده المؤمن النافع لخلقه مبارك، وبيته الحرام مبارك، وقد يجعل الله بعض خلقه مباركًا، فيكثر خيره، ويعظم أثره، وتتصل أسباب الخير فيه، وينتفع الناس منه؛ كما قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام: ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ﴾ [مريم: 31].

 

إن البركة هبة من الله فوق الأسباب المادية التي يتعاطاها البشر، وإذا بارك الله في العمر، أطاله على طاعته، أو جمع فيه الخير الكثير، وإذا بارك الله في الصحة، حفظها لصاحبها، وإذا بارك في المال، نماه وكثَّره، وأصلحه وثمره، ووفق صاحبه لصرفه في أمور الخير وأبواب الطاعة، وإذا بارك الله في الأولاد، رزق برهم وهداهم وأصلحهم، وإذا بارك الله في الزوجة، أقر بها عين زوجها؛ إن نظر إليها سرته، وإن غاب عنها حفظته.

 

قال ابن القيم رحمه الله: "وكل شيء لا يكون لله فبركته منزوعة؛ فإن الله تعالى هو الذي تبارك وحده، والبركة كلها منه".

 

والسؤال هنا: متى يكون الرجل مباركًا في نفسه وماله وأهله وأسرته وزوجته وفي أعماله؟ سؤال يبحث عن جوابه كثير من الرجال والنساء والأولاد؟

 

إن القارئ لسير الصالحين يرى البركة في حياتهم وأعمالهم وأسرهم، فكم رأى الناس من بركة الله في الأوقات والأقوال، والأعمال والأشخاص، فيكثر القليل، ويعم النفع، ويتصل الخير، وتتم الكفاية، ويعلو الرضا، وتطيب النفوس.

 

كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين وأشهرًا، ومع ذلك حقق فيها ما يحتاج إلى عقود، وهذا الإمام النووي رحمه الله ترك لنا إرثًا من العلم والكتب ما تنقضي دونه الأعمار، ويعجز عنه كثير من الرجال، وليس ذلك إلا إعانةً من الله، وبركةً جعلها في أوقاته وفي آثاره.

 

وحتى يكون الرجل مباركًا في بيته وأسرته عليه بإكرام أهله وحسن معاشرتهم ومعاملتهم بالمعروف، والرفق والإحسان بهم؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).

 

ومن بركة الرجل في بيته حثهم على طاعة الله وتعليمهم شرعه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

 

وتزداد بركته عندما يغض الطرف عن بعض أخطاء بيته، ما لم يكن فيه إخلال بشرع الله، وهذا يكون من خلال الموازنة بين حسناتهم وسيئاتهم، فإن رأى منهم ما يكره؛ فليتذكر ما يرى منهم ما يعجبه ويحبه، وإلى هذا يشير النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا، رضي منها خلقًا آخر)).

 

ومن البركة أن يجلس مع أهل بيته يحدثهم ويحدثونه ويستمع إليهم بحب وشوق، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس مستمعًا إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما كانت تقص عليه حديث النسوة اللاتي جلسن وتعاقدن على ألَّا يكتمن من خبر أزواجهن شيئًا - وهو حديث أم زرع المعروف - وهو حديث طويل، ومع ذلك لم يمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة وهي تحدثه؛ والحديث عند البخاري ومسلم.

 

ومن البركة اللعب واللهو، والسفر والتلطف معهم، وليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في ذلك؛ فقد حدثت السيدة عائشة أم المؤمنين، قالت: ((كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إليَّ فيلعبن معي)).

 

ومن البركة حسن الظن والثقة بهم مالم يرَ سوءًا واضحًا يتطلب فيه التدخل والعلاج، فإن سوء الظن يبعث على الحقد والضغينة والهجر بين أفراد الأسرة، والعاقل لا يسلم نفسه وسمعه لأقوال السوء في أسرته؛ تطبيقًا لقوله تعالى: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾ [النور: 12].

 

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ [الحجرات: 12].

 

ومن البركة النفقة والكسوة والسكن بالمعروف، وهذه النفقة واجبة على الزوج بالكتاب والسنة والإجماع؛ قال تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].

 

ومن البركة أن يكون كريمًا بعواطفه وأخلاقه ونبله، وليس فقط في ماله، فالزوجة تحب الرجل الذي يحترمها أمام أهله وأهلها، يحترمها في البيت أمام أولادها، يحترم آراءها، وأفكارها، لا يسخر من طموحاتها أو حماستها.

 

والرجل المبارك من يتطلع دومًا إلى تحسين وضعه المادي والتعليمي على ألَّا ينسيه طموحه زوجته وأولاده، فلا يعلو وحيدًا ويتركهم بعيدًا عنه، بل يأخذهم معه في علوه، ليتقدموا معًا نحو الأفضل، يدفعهم هدف مشترك يودون الوصول إليه معًا.

 

ومن البركة الابتعاد عن سرعة الغضب، فالرجل المبارك يستوعب زوجته وأولاده ويتفهم طبيعتهم، ينقب عن مواطن الدفء والعاطفة داخلهم، يتأنى في التعامل مع المشكلات التي تواجهه معهم، فكم من البيوت تهدمت ووصلت إلى طريق مسدود بسبب عصبية الرجل!

 

وفي الختام... لنتذكر معيار خيرية الرجال التي وضعها صلى الله عليه وسلم في حسن عشرة الزوجات: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).

 

أسأل الله العظيم أن يديم علينا وعلى زوجاتنا وأولادنا وأهلنا الخير والبركة، ويصرف عنا جميعًا الحقد والبغضاء وسوء الأخلاق.



علموا أولادكم اختيار القدوات الصالحة


 

علموا أولادكم فضل البركة في الرزق


 

علموا أولادكم مراقبة الله


 

علموا أولادكم آداب المزاح


 

 



حاجة المسلم إلى البركة

 

يشتكي كثير من الناس من قلة البركة في المال والدار، والزوجة والأولاد، فمنهم من لديه مال، وهو شحيح به، ولا ينفقه في وجوه الخير، فتراه معذبًا بماله، يحسبه ويحصيه آناء الليل وأطراف النهار، مشغول به في النهار، وحريص عليه بالليل، فوقته في ضيق عليه، لا بركة في ماله ولا في وقته، يشتري بماله العذاب النفسي والروحي، وعدم الراحة، وآخر يصرف ماله في معصية ربه وخالقه.

 

والسؤال الذي يشغل كثير من الناس: هل نحن محتاجون للبركة؟ وما المجالات التي نتمنى أن تكون فيها البركة؟

 

البركة هي الزيادة والنماء وكثرة الخير، والبركةُ هِبةٌ من الله فوق الأسباب الماديَّة التي يتعاطاها البشرُ، فإذا باركَ الله في العُمر أطالَه على طاعته، وإذا باركَ الله في الصحة حفِظَها لصاحبِها، وإذا باركَ في المال نمَّاه وكثَّرَه، وإذا باركَ الله في الأولاد رزقَ بِرَّهم وهداهم وأصلَحَهم، وإذا باركَ الله في الزوجة أقرَّ بها عينَ زوجها.

 

والبركة نحتاج إليها في كل شيء، وأهم المجالات التي نحتاج البركة فيها:

1- العمر:

وتكون البركة في العمر عندما يستطيع الإنسان في مدة حياته أن يُحقِّق من الإنجازات والأعمال الميمونة ما لا يستطيع غيره أن يحققها.

 

فهذا الإمام البخاري رحمه الله جمع مائة ألف حديثٍ صحيح، وقد عاش خمسًا وستين سنةً فقط، وهذا سعد بن معاذ رضي الله عنه أسلم وعُمره ثلاثون، ومات وعمره ستٌّ وثلاثون، ولكن ((اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ))؛ [رواه البخاري].

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركُم من طال عمره وحسن عمله))؛ [رواه الترمذي].

 

2- الوقت:

والبركة في الوقت تعني اتِّساعه واغتنامه في العمل الصالح، فمن الناس من يقوم من نومه بعد عشر ساعات، لكنه يشعر أنه لم يَنَمْ، والبعض ينام من خمس إلى ست ساعات ويشعر أنه نام كل اليوم بسبب البركة.

 

وهناك أوقات تكون فيها البركة؛ كما أخبر صلى الله عليه وسلم ودعا لها: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها، فكان صخر الغامدي يبعث الغلمان بالتجارة في الصباح الباكر ويقول: أُريد أن تصيبني دعوة النبي صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه أحمد].

 

3- الرزق:

ومعنى البركة في الرزق أن يكون كافيًا، فكم من الناس من يحصل على الآلاف، لكنه محروم منها ومن سعادتها، بل ويخرج مديونًا بسبب عدم وجود البركة.

 

4- العلم:

كيف يكون في العلم بركة؟ والجواب: إذا سمعت آية أو حديثًا، واستفدت منهما، وطبقتهما في حياتك، فهذه بركة، فالعلم الذي يُنتفَعُ به بركة عليك، أما علمٌ وجودُه وعدمه على حد سواء، هذا لا بركة فيه.

 

كم مِنَ الناس مَن يسمع من المحاضرات ويتردد على مسامعه العلم والأحكام، لكن لا أثر له في حياته، مثل هذا يحتاج إلى طلب البركة في العلم الذي تعلمه حتى ينتفع به!

 

5- الدار:

وتكون البركة فيها بأن تتسع لأهلها، فالبعض يضيق عليه البيت وإن كان قصرًا يحسده الناس عليه، والبيت الذي يتسع لأهله وتكثر فيه البركة هو البيت الذي تحضره الملائكة، وتنفر منه الشياطين، ويملؤه الخير؛ تأملوا كيف أن الله ألهم نوحًا عليه السلام أن يقول بعد غرق قومه ونجاته: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 29].

 

6- الزوجة والمركب:

جاء في صحيح الجامع: ((ثلاث من السعادة، وثلاث من الشقاوة: فمن السعادة: المرأة تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، ومن الشقاوة: المرأة تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قَطوفًا فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق))؛ [حسنه الألباني في صحيح الجامع].

 

أسأل الله العظيم أن يديم علينا وعلى زوجاتنا وأولادنا وأهلنا الخير والبركة، ويصرف عنا جميعًا الحقد والبغضاء وسوء الأخلاق.



 أرجوكِ يا أمي تقول فتاةٌ: أمي عنيدة وعصبية وقاسية جدًّا، لا تُحب إلا نفسها، دائمة الصُّراخ وسيئة التعامل، حاولتُ كثيرًا أن أبحثَ عن رضاها، ...